Friday, June 15, 2007

انا وصغيرة

عندما كنت صغيرة كانت الحياة اقل تعقيدا .. امس ارجعت رأسي للوراء واغمضت عيني .. لتحاصرني عدة روائح مختلفة .. وتعلو شفتي ابتسامة تحوي مزيج رائع من النوستاليجا والحسرة وال....... لم اعهد الشعور التالي من قبل ولذلك لم اجد له تعريفا .. دعنا منه

اعتادت امي ان توقظني وانا صغيرة معها في السابعة صباحا لتغزو انفي رائحة التمر حنة قادمة من نافذة حجرتي في بيتنا القديم .. تضع علي اسرع ما يصل الى يديها من ملابس وتاخذني الى منزل جدتي حتى يحين موعد عودتها من عملها

كانت جدتي تستقبلني بطبق من الفول .. تجلسني امامها على مائدة الطعام .. تقسم الخبز الى لقيمات صغيرة ثم تغمسها في الفول وتطعمني اياها محافظة على ملابسي حتى لا تتسخ

كانت تصنح لي دمية صغيرة .. لا اذكر كيف كانت تفعلها ولكني اذكر جيدا ان خامات تلك الدمية لم تكن تتعدى منشفة عادية او غطاء رأس جدتي .. تعقدهم وتجعل منهم دمية مؤقتة حتى رحيلي .. كنت اتظاهر بأن تلك الدمية هي ابنتي وكنت اعطيها الى ابن خالتي قائلة انها ابنتي وابنة اخيه .. فقد كان ابن خالتي الاخر هو ذلك الشخص الكبير في كل عائلة الذي يمازح الطفلة قائلا انه سيتزوجها .. اعتاد ابن خالتي ان يأخذها مني ويلقيها ارضا مازحا واعتدت انا ان اخبره انني لن اعطيه اياها مرة اخرى


وانا صغيرة كان لي خالتي المفضلة وهي خالتي الصغرى .. اتذكرها حتى اليوم بالجيب الاسود القصير والشعر الكاري المصفف بعناية والكعب العالي .. كانت هي صورتي الاولى عن الانثى .. وان كانت لم تختلف عن امي الا في غطاء الرأس الا انني آثرت ان اتخذها هي كصورة اولية .. كنت كأي طفلة صغيرة اكره الطعام .. كانت تجلسني بجانبها قائلة انني يجب ان انهي طبقي حتى يأتيني ملك الاحلام ويترك بجانبي عروسة تتحدث وتمشي وترقص .. اعتدت ان انهي طبقي .. واعتدت ايضا ان اغمض عيني ممنية نفسي بالعروسة المكافئة من ملك الاحلام


وانا صغيرة كنت املك العديد من العرائس .. ولكن واحدة كانت هي المفضلة عندي .. .. تنام بجانبي واقص عليها كل ما قد يستوعبه عقلي الصغير من قصص .. كانت تقصها علي جدتي .. عن ذات الرداء الاحمر وبياض الثلج .. كنت اجزع ان وجدتها واقعة ارضا وكأنها كائن حي .. حتى ان ابنة خالي سألتني مرة لماذا تعاملينها بتلك الرقة هي لا تشعر



وانا صغيرة كنت استلقي بجانب امي قبل النوم .. تمسك هي بكتاب قصص الانبياء وتنتقي قصة وتخبرني اياها .. حتى استطعت ان امسك انا بالقصص وحدي فانهيت قصص الانبياء وبدأت اعبث في مكتبة ابي واخبيء الكتب لاقرئها من دون علمه .. اعتاد ان يجد معي وانا في العاشرة من عمري قصص احسان عبد القدوس ويخبرني انها لا تناسب سني ويخبئها .. لاجدها انا بدوري مرة اخرى .. اذكر انه اعترض جدا عندما وجدني اقرأ منتهى الحب .. وعندما انهيتها تعجبت كثيرا من رفضه لقرائتي لها .. فلم اجد فيها وقتها او الآن ما يخدش حيائي كانسان

وانا في العاشرة عاد والدي الى المنزل يحمل روايتين .. الاولى تدعى رجل لكل العصور والثانية ريبيكا .. لم اهتم تماما بالاولى ولكن الثانية ظلت بجانبي حتة بلغت من العمر السابعة عشر .. لم تفارق فراشي .. الا انني يوما لم اهتم بالنظر لمعرفة من كتبها رغم اني قراتها لما يفوق المائة مرة تقريبا

الآن جدتي تتذكر اسمي بصعوبة .. وتخلط بيني وبين اقاربنا جميعا .. ولكنها مازالت تتذكر طبق الفول الصباحي .. تركنا بيتنا القديم وتوقفت عن الاستيقاظ على رائحة التمر حنة .. تزوج ابن خالتي وهاجر اما عني انا فمازلت انا .. اخيه الذي كان يلقي بدميتي ويجلسني على ركبتيه لا اذكر اخر مرة تبادلنا السلام فيها حتى .. اما خالتي المفضلة فارتدت الآن الخمار وابتعدت عن كل ما هو قصير .. اصبحت اختار رواياتي المسائية بنفسي والصباحية ايضا ولم يعد ابي يخبئ ايا منها .. حتى انه لم يعد يعرف ما اقرأ .. الآن مازلت ابحث عن ريبيكا التي فقدتها يوم انتقلنا من منزلي القديم

اعتقد انني تركت العديد من الاشياء هناك خلفي